الإشكالية

 

إن الأراضي التي شكلت مهداً لتدجين النبات والحيوان باتت تمثل اليوم المناطق الأكثر افتقاراً إلى الأمن الغذائي في العالم. وإن الاعتماد الشديد على الغذاء المستورد غالباً ما يُعزى، من ناحية الإنتاج، إلى الجدب الذي يتفاقم بسبب التغير المناخي وملوحة التربة وحيازات الأرض الصغيرة غير المرسمَلة بشكل كاف، ومن ناحية الاستهلاك، إلى النمو السكاني والتغيير في أنماط الغذاء. ويمكن أن تدفعنا التفسيرات السياسية والاقتصادية السائدة الى الاعتقاد بأن العجز الغذائي في المنطقة أمر "طبيعي" (أي نتيجة للجدب والنمو السكاني وقوى السوق).

بيد أن هذه المحاججة تنفي مركزية السياسات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية. وتُعتبر سورية مثالاً مهماً على ذلك، حيث أدت التغييرات التي طرأت على السياسات منذ نهاية الثمانينيات من القرن المنصرم إلى مواجهة البلاد، بحلول عام 2007 وللمرة الأولى في تاريخها، حالة من انعدام الأمن الغذائي على المستوى الوطني وسوء التغذية المتنامي لدى الأطفال في المناطق الريفية. وللمقارنة فإن تجربة إيران منذ نهاية الثمانينيات تشي بالكثير؛ ففي حين فقدت سورية الإنتاج الصناعي وتراجعت عن دعم الزراعة وفشلت في تحقيق إجماع وطني حول العلاقة بين توزيع الثروة والسياسات السكانية، فإن إيران حافظت على النمو في قطاع التصنيع، وعززت برنامجها الخاص بالأمن الغذائي الوطني، واستمرت في التعامل مع المنتجين في مجال الرعي، وفتحت باب النقاش العام حول قضايا السكان والتنمية، الأمر الذي أدى الى تطوير برنامج فعال لتنظيم الأسرة، يعمل من خلال أجهزة الرعاية الصحية الأساسية الحكومية .

وينبغي النظر إلى المشكلات في إنتاج الغذاء في سياق تراجع التنمية في الاقتصادات العربية بوجه عام. إذ أن الصراع على السيطرة على مصادر النفط في المنطقة حكمَ على شعوبها بالتدخلات الدولية والحروب التي تبدو بلا نهاية. كما أن تركُّز الثروة النفطية الكبير في هذه المنطقة يخلق أكبر قدر من اللامساواة من بين جميع مناطق العالم الرئيسية. وبوجه عام، كان اتجاه النمو الاقتصادي في المنطقة، قياسا بمعدل دخل الفرد، هابطاً أو راكدا في أحسن الأحوال على مدى العقود الثلاثة الماضية. فالعمال وصغار المزارعين يعانون من أعلى معدلات البطالة وأدنى حصة من الناتج القومي الإجمالي وأسوأ سجل في مجال حقوق العمال وأدنى مستويات مشاركة المرأة في قوة العمل الرسمية مقارنة بمناطق العالم الأخرى. وفي مقابل هذا الموقف الضعيف للعمال وصغار المزارعين نجد عودة لتركز ملكية الأرض الريفية والحضرية. وفي شمال أفريقيا، كما في غيرها من المناطق، تشكل المنافسة على الحصول على الأرض والمياه مشكلة ضاغطة بالنسبة لفئة المزارعين الصغار.

لقد أدى التحيز لصالح النخب الحضرية إلى جعل المناطق الريفية العربية أشبه بما هو غير مرئي. ولكن من المعروف أن الفقر في الريف أعمق مما هو ظاهرا وواقعا في المناطق الحضرية. ولعل العديد من السكان الذين هجروا الريف إلى المدن منذ عام 1980 والبالغ عددهم 70 مليوناً في سائر أنحاء العالم العربي يمثلون خير شاهد على ذلك.

 

 

من نَحن

 

تعمل " ثمار" على تبادل المعلومات والتحليلات بهدف تشجيع إجراء البحوث الأساسية وفتح باب مناقشة السياسات بشأن الصلة بين الزراعة والبيئة والعمل. وغالباً ما تتسم نوعية البيانات الاقتصادية والاجتماعية التي تصدرها دول المنطقة بالضعف. ومن جانب آخر فإن البحوث الجامعية المعنية، سواء ما يجري منها داخل المنطقة أو خارجها، تعطي الأفضلية للدراسات والتحليلات السياسية على التوثيق الاجتماعي- الاقتصادي الأساسي. وتسعى " ثمار" إلى العمل مع جهات أخرى على ملئ هذه الثغرات. وتلك ليست مسألة معرفة مجردة، فخلال الاحتجاجات التي شهدها العام 2011، عبَّر العاملون والعاطلون عن العمل، الموجودون في الريف والقادمون منه، على احتجاجهم على بؤس أوضاعهم. وبنقلها أصوات هؤلاء، فإن "ثمار" تسعى بدورها إلى الرد على عملية في غاية القسوة والتوحش لإعادة هيكلة العلاقات الزراعية وما يلازمها من استنزاف ونهب للبيئة.

نحن كباحثين نسعى إلى التكامل في مقارباتنا للزراعة والبيئة والعمل استنادا إلى الخلفيات العلمية للمشاركين في المجموعة والتي تشتمل على الهندسة الزراعية وعلم الإنسان والاقتصاد والجغرافيا والصحة العامة وعلم الاجتماع. وبعد عقد ورشتي عمل في عامي 2011 و2012، فإننا نعكف حالياً على تطوير موقعنا الإلكتروني وإطلاق مجلتنا الإلكترونية " الأوراق" وتطوير مشاريع بحثية مشتركة.

 

إنّ ملتقى البحث العلمي "ثمار" مبادرة مستقلّة ذاتيّة التمويل. لقد تلقّينا الدعم لتنسيق اجتماعات وتطوير الموقع على الانترنت من خلال منح بحثيّة قدّمت لأعضاء الملتقى. نشكر بشكل خاص "الأكاديمية البريطانية"  ، "المجلس البريطاني للأبحاث في بلاد الشام   المشرق" (CBRL) ومشروع البحث المشترك بين كليّة لندن للإقتصاد (LSE) والجامعة الأميركية في بيروت (AUB ) و مؤسسة الإمارات: "وحا التغيير الزراعي" لدعم الموقع مالياَ حتى هذا اليوم.

ونشكر ناجي المير لمساهمته في تصميم الموقع، أحمد جرادة للترجمة إلى العربية، كريم عيد صبّاغ ومابيل شديد للعمل التحريري المتواصل ومارتا موندي لتنسيق العمل.

للمزيد من المعلومات، زوروا الرابط التالي: http://www.athimar.org/Aboutus#sthash.daEuI65c.dpuf