الزراعة والإنتاج الغذائي في ظلال الإقتصاد النفطي العربي

عنوان ورشة عمل , كانون الثاني 2012

 

"الزراعة والإنتاج الغذائي في ظلال الإقتصاد النفطي العربي" عنوان ورشة عمل جمعت في عمّان في 28 و29 يناير/كانون الثاني 2012 باحثين وباحثات في مجالات الأنثروبولوجيا والإقتصاد السياسي والعلوم الزراعية، وجرت خلال الورشة مناقشة التحولات الكبيرة والسريعة في القطاع الزراعي وفي العلاقات الإجتماعية في أرياف عدد من البلدان العربية خلال العقود الأخيرة تحت ظلال السطوة المالية والتأثيرات السلبية للإقتصاد النفطي العربي على مجمل القطاع الزراعي وخاصة الإنتاج الأسري والقطاعات السلعية الضعيفة، ومنها النشاط الزراعي في المناطق الحرجة بيئيا والمناطق الجافة وذات الموارد الشحيحة وقطاعات الفلاحين من أصحاب الملكيات الصغيرة والحيازات غير المضمونة والزراعة في مناطق التوسع الحضري. كما ناقشت الورشة إنتشار نوع من العلاقة الرأسمالية الزراعية التي تتسم لا بكثافة رأس المال فحسب، بل بإنفصام النشاط الإنتاجي عن المجتمع الريفي المحلي وتراجع دور وحدات الإنتاج الأسرية دون ظهور نمط مؤسسي ملائم، والإعتماد على العمل الزراعي المتنقل والمهاجر وما يرافق ذلك من تدهور في ظروف المعيشة والعمل وفي المهارات الزراعية التقليدية وضعف عملية تراكم المعرفة في وحدات إنتاجية تتسم بهيمنة رأس المال المالي وبالإستغلال الجائر للموارد الطبيعية الهادف إلى انتزاع فرص تجارية قصيرة الأجل.


 

وانصب اهتمام الورشة أيضا على انعكاسات هذا النوع من التحولات في الريف على الأمن الغذائي للبلدان المعنية، بل وعلى السيادة الغذائية، وجرى تناول هذا المفهوم الأخير من جوانب متعددة تتجاوز نوعية وكمية المواد الغذائية المتوافرة في الأسواق وفي متناول المواطنين ومدى استقرار عرض تلك المواد واسعارها. فالسيادة الغذائية التي عنيت بها الورشة هي مفهوم متكامل يشمل تفاعل أنماط الغذاء وأنماط الإستهلاك مع الإستخدام المستديم للموارد الطبيعية والحفاظ على البيئة والقدرة الوطنية على تطوير المعارف الملائمة لرفع قدرات وكفاءات العمل الإنتاجي الغذائي والزراعي وللإحتياجات والظروف المحلية وتجنب التبعية التكنولوجية والإقتصادية في هذا المضمار الحيوي. وينطوي ذلك المفهوم أيضا على ضرورة الحفاظ على التنوع والمرونة في الإنتاج الزراعي وعلى أهمية استمرار الإرتباط بالأرض وتقويته، وبالتالي الحفاظ على المجتمعات الريفية ودعمها وتمكينها من مواكبة متطلبات الحياة الحديثة. إذا فالسيادة الغذائية لا تنحصر وفقا لما جرى تناوله في الورشة في مسألة توازن العرض والطلب على السلع الغذائية واستقرار أسعارها، ولا حتى في معالجات آنية لحالات الفقر وفي الإجراءات الإدارية الهادفة لتوفير الغذاء اللازم لمختلف الفئات الإجتماعية، بل إنها نتاج لعملية تنموية إجتماعية وإقتصادية وسياسية ومعرفية.


 

لقد كانت الدعوة لورشة العمل قد انطلقت من نقد الفكر القائل بأن معانات المنطقة العربية من أشد حالات إنعدام السيادة والأمن الغذائيين بالمقارنة مع أي من نظيراتها في العالم، "تعزى من جانب الإنتاج إلى جفاف مناخ المنطقة وتفاقم هذه الحالة نتيجة التغيرات المناخية، وإلى مشاكل ملوحة التربة وصغر حيازات الأرض الزراعية وإلى ضعف الكثافة الرأسمالية في تكنولوجيا الإنتاج السائدة."


 

لقد قادت سيادة هذا الفكر إلى إهمال المجتمعات الريفية والقطاع الزراعي ومهدت إلى تحويل الموارد الطبيعية للمنطقة إلى سلع في أسواق المضاربة العقارية وفي الأسواق السلعية قصيرة الأجل ودفعت بإتجاه تحويل هياكل الإنتاج الزراعي نحو السلع ذات مرونات الدخل العالية. فمع هيمنة الأفكار الإقتصادية النيوليبرالية وإيعازات وضغوط المؤسسات المالية الدولية ومراكز رأس المال العالمي، جرت تغيرات كبيرة في السياسات الزراعية من قبيل تعويم أسعار السلع الزرعية وتقليل أو إلغاء الدعم المباشر للأنتاج ورفع اسعار الوقود وتخفيض الأستثمار الحكومي في مجالات البنية التحتية وفي قطاع المياه ورفع أسعار مدخلات الإنتاج الزراعي وإلغاء القيود على إيجارات الأراضي الزراعية ورفع الحماية عن صغار الفلاحين وإخضاع الزراعة لمنافسة التجارة الخارجية وتغيير قواعد ضبط استغلال الموارد الطبيعية وتنظيم الإنتاج الزراعي لصالح أعمال الشركات العالمية في نشاطاتها في أسواق السلع والمدخلات الزراعية.


 

وقد تناولت أبحاث المشاركين في الورشة انعكاسات هذه السياسات والأوضاع الإقتصادية عامة على الزراعة في البلدان المعنية وعلى المجتمعات الريفية وعلى فئات إجتماعية ريفية معينة في كل من تونس ومصر واليمن والأردن وسوريا ولبنان وفلسطين مستفيدة أيضا من دراسات مقارنة مع مناطق العالم الأخرى وخاصة في بلدان عالم الجنوب. وقدم الباحثون نتائج دراسات ميدانية وأفلام وثائقية أنجزوها في بيئات زراعية وريفية مختلفة ودراسات قطاعية وأخرى تعنى بالإقتصاد السياسي والمجتمع الريفي وإدارة الموارد وأوضاع البيئة الزراعية. وأظهرت الدراسات أن التحول السريع نحو إنتاج السلع النقدية والتوجه نحو التصدير إلى بلدان الخليج العربي وإلى الأسواق الأوربية ظاهرة لا تقف في أهميتها عند الفرص التجارية المعنية أو في إحتمال رفع قيمة الناتج الزراعي ككل. فالتكنولوجيا المستخدمة كثيفة رأس المال ويصاحبها إرتفاعا كبيرا في فروقات الدخل الزراعي وفي العلاقة بين الزراعة والقطاعات الأخرى وتعميقا لدور الشركات عابرة القومية والمنتجة للبذور والمبيدات والمكائن وغيرها مما يدفع بالفائض إلى خارج المجتمعات الريفية والإقتصاد المحلي. كما ترتبط هذه الظاهرة بالإستغلال المكثف للموارد المائية الجوفية منها والسطحية، ومع تزايد المزاحمة على تلك الموارد المحدودة، يلعب النفوذ الإجتماعي والسياسي دورا كبيرا في القدرة على الإستحواذ على تلك الموارد. ويرتبط بهذه الظاهرة أيضا إنتقالا للعمالة من نشاطات ريفية زراعية إلى أخرى تكون في الغالب خدمية، مع إستمرار الهجرة بأشكالها وتدهور ظروف وأوضاع العمل الزراعي. وبين العديد من بحوث الورشة تبعات ظاهرة الإنفصام بين العمل الزراعي وحقوق الفلاحين في الأرض وخاصة حينما تتجسد هذه الظاهرة من خلال العمل الأجير الموسمي والمرتبط بالهجرة والخارجية منها خصوصا، وما يتبع ذلك من آثار بخصوص بيئة المعيشة وحقوق العمل وضعف شمول العاملين بالخدمات الصحية والتعليمية وغيرها.

وقد رصدت بعض البحوث المقدمة في الورشة علاقة مباشرة فيما بين هذا النمط التجاري من النمو وبين تراجع إنتاج السلع الغذائية الأساسية في بلدان مثل اليمن وتونس والأردن وغيرها، حيث حلّ انتاج السلع النقدية بالإعتماد على استخدام غير منضبط وجائر لمياه السيول والمياه الجوفية محل إنتاج أكثر استدامة لمحاصيل أساسية كالحبوب والزيتون. هذا بالإظافة إلى ما ذكرناه من أن هذه النشاطات المتنامية نفسها لم تأت في الغالب بتحسن في الأوضاع الإقتصادية والإجتماعية بالنسبة للعاملين فيها ولسكان الريف عامة.


 

وللإطلاع على برنامج الورشة وملخصات البحوث من خلال الدخول على الرابط التالي:


 

د. كامل مهدي


 



إبحث
معرض الصور
آخر الامقالات
لقد حمّلنا ثلاثة مقالات قديمة حول اليمن و سوريا، م. مندي. اثنان منهما متاحان باللغة العربية والانكليزية. تجدون المقالات تحت فئة "التاريخ الزراعي"، و "حيازة الأرض"، و "المياه والري. "
هدف المؤتمر الدولي السابع للجغرافيا الراديكالية (ICCG 2015) هو توفير مكان جامع لمناقشة هذه وغيرها من الموضوعات التي تدرس الجغرافية النظرية الاجتماعية الأزمات والتطبيق العملي السياسي التدريجي. على الرغم من أهمية القضايا المطروحة، يأمل المنظمون خلق جو من المرح، والتوافق وأجواء ودية تجمع عددًا واسعًا من العلماء والناشطين والفنانين والمنظمين وغيرهم من المهتمين بالتطبيق العملي الاجتماعي والمكاني.
تقدّم ياسمين م. أحمد في مقالة هذه عدداً من القراءات التحليلية الأولية لتحرّك الفلاحين في مصر ضمن السياق الثوري، وتجاوب العديد من الخبراء القانونيين معه.
شارك
@

الفيديو الرئيسي
تحديثات الفايسبوك
تغريدات تويتر