ثمار سعداء لحصولهم على إذن نشر هذا التقرير الذي تم إعداده بتعاون بين الدكتور مايكل ميسون من جامعة لندن للعلوم الإقتصادية والسياسية والدكتور زياد الميمي من جامعة بيرزيت والباحثين الدكتور مارك زيتون، السيدة جنان موسى (باحثة في الضفة الغربية)، والسيدة منى الدجاني (باحثة في مرتفعات الجولان)، والدكتور محمد خولية (الباحث الرئيسي للمشروع من جنوب لبنان)، والسيدة سيرين أبو جاموس (باحثة في الضفة الغربية)، السيد حسام حسين (الباحث العام للمشروع).
تجدون هنا الماخص التنفيذي ونسخة PDF مرفقة.
بتمويل سخي من مؤسسة الإمارات الخيرية ومن خلال مركز الشرق الأوسط التابع لجامعة لندن للعلوم الإقتصادية والسياسية، تم تنفيذ هذا المشروع البحثي بعنوان "الأمن المناخي المتعدي الحدود" بالشراكة ما بين جامعة لندن وجامعة بيرزيت في فلسطين حيث انطلق في تموز 2012 واختتم رسمياً في تموز 2014.
وتبحث هذه الدراسة في أوجه الحساسية المناخية للمجتمعات الزراعية ضمن ظروف الاحتلال وما بعده. وبحسب الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغيّر المناخ (2012:5)، يشير مفهوم الحساسية إلى الميل أو الاستعداد للتأثر سلباً بالمخاطر أو حالات الإجهاد حيث تساعد مواطن الضعف الاجتماعي على ظهور حالات الإجهاد المتعلقة بالمناخ. ويشكل الاحتلال العسكري من قبل قوى خارجية مسلحة استثناءاً عن القاعدة ولكن بشرط دراسة آثار مواطن الضعف الاجتماعي على حالات الإجهاد المرتبطة بالمناخ. ونقصد بمصطلح "ما بعد الاحتلال" المناطق التي إما تتعرض حالياً لتجربة إحتلالية أو تخلصت منها حديثاً. وتعكس مجالات الدراسة الثلاثة المراحل البارزة للسيطرة الإحتلالية ضمن نفس الحوض المائي الإقليمي (حوض الأردن) حيث تشمل: الاحتلال العسكري طويل الأمد (الضفة الغربية) والضم (مرتفعات الجولان) و"ما بعد الاحتلال" (الجنوب اللبناني). وكون أن الدولة الاسرائيلية (من خلال إدارتها العسكرية أو المدنية) هي التي تفرض -أو قامت بفرض- نظام السيطرة القسري على المناطق الثلاث المذكورة، فذلك يشكل رابطاً إدارياً حاكمياً للقيام بتحليل مقارن. ويعد هذا المشروع البحثي الأول من نوعه كدراسة مقارنة للحساسية المناخية في سياق ظروف الاحتلال وما بعده.
في حين تتصف مجالات الدراسة الثلاثة بخصائص مميزة، يركز هذا الملخص التنفيذي على أبرز نتائج المشروع بما يتعلق بالحساسية المناخية وخيارات سبل العيش الريفية في ظل ظروف الاحتلال وما بعده. وترتبط هذه النتائج بالأهداف البحثية الثلاثة للمشروع.
على نطاق مجالات الدراسة الثلاثة، تناغمت عوامل مثل إدراك المزارعين بشح المياه المتوفرة على مدار 10-20 سنة الماضية وارتفاع متوسط الحرارة السنوي وتأخر موسم المطر مع التعريف العلمي لظاهرة الجفاف الإقليمي، بحيث أصبحت متسقة بشكل واسع مع التوقعات العلمية للتغير المناخي في منطقة حوض الأردن والتي تركز على إزاحة مسار العواصف الشرق أوسطية باتجاه الشمال الأمر الذي يقلل من المطر السنوي. ويعد الإجهاد المائي الناجم عن التغيرات المناخية الأعظم في غور الأردن( الضفة الغربية) حيث اعتماد معظم الزراعة على مياه الأمطار. وخلال هذا العقد من الزمن، هدد التغير المناخي للزراعة البعلية في غور الأردن نتيجة الانحسار المتوقع لخط تساوي المطر(200ملم: الحد اللازم للزراعة البعلية) نحو الاتجاه الشمالي.
وعلى الرغم من ذلك، يقلل المزارعون من أهمية التغيرالمناخي وأثره على تحديد مدى توفر المياه مقارنة بظروف الاحتلال وما بعده، حيث تعد سياسات الدولة الإسرائيلية مضرة بسبل عيش المزارعين، متمثلة بمنع إنشاء أو هدم البنية التحتية المائية ومصادرة الأراضي و/أو القيود والحوافز الحصرية للمستوطنين الإسرائيليين وعوائق الوصول للسوق). والملفت للنظرهنا بأن هذه السياسات ما زالت تطبق في سياق مناطق لم يعد للسلطات العسكرية الإسرائيلية أية سيطرة فعلية رسمية- الإنتقال إلى الإدراة المدنية الإسرائيلية في عام 1981 في مرتفعات الجولان وانسحاب القوات الإسرائيلية من جنوب لبنان في عام 2000. وفي كلتا الحالتين، يرجع السبب في العوائق الجمة المفروضة على التزويد بالمياه إلى السيطرة الإسرائيلية إما على شكل إجراءات قانونية (مرتفعات الجولان) أو التهديد باستخدام القوة على الحدود (جنوب لبنان). ويدل ذلك على استمرار ممارسات الاحتلال وما بعده التي تجاوزت مبدأ الاحتلال المكتفي بذاته قانونياً – السيطرة الفعلية على أرض أجنبية بفعل قوى مسلحة معادية (أحكام لاهاي 1907، المادة رقم 42)- والمنصوص عليه ضمن القانون الإنساني الدولي.
على مدار العقدين أو الثلاثة الأخيرة في مجالات الدراسة، شملت أبرز الممارسات التي يتبعها المزراعون للتكيف مع تفاوت توفر كميات المياه على: زيادة حصاد مياه الأمطار، واختيار أنواع المحاصيل المقاومة للجفاف (مثلاُ، الحمضيات والتمور)، والتقليل من المواشي أو الحقول المزروعة والإنتقال من الري بالغمر إلى الري بالتنقيط.
وفي مجالات الدراسة الثلاثة، يعد حصاد المياه من أكثر الطرق شيوعاً وأقلها تكلفة كآلية للتكيف إلا أن الحكومة الإسرائيلية حظرت الاستخدام المتزايد لهذه الطريقة في مرتفعات الجولان المحتلة وغور الأردن (مناطق ج). فأصبح المجال أكبر في التحكم بتغييرنوع المحاصيل. ففي غور الأردن، تم تقليص الإنتاج الفلسطيني من المحاصيل "العطشى" إلى حد كبير (كالموز والبطيخ والحمضيات) وخسر المزارع موسم المحاصيل الصيفية (كالباذنجان والقرنبيط والبسلة الخضراء) التي أصبحت تزرع فقط في فصل الشتاء. ولوحظ أيضاً توجهات مماثلة في تغيير أنواع محاصيل وتقليص زراعة أخرى في مرتفعات الجولان وحتى في الجنوب اللبناني ولكن بدرجة أقل (حيث الإجهاد المائي هناك أقل وضوحاً). وتفضل المنطقتان المذكورتان زراعة الفاكهة بالرغم من التوجه الأكبر لزراعة نوع واحد من المحاصيل في مرتفعات الجولان.
لقد بدأ استخدام الري بالتنقيط في مرتفعات الجولان المحتلة بعد احتلالها من قبل اسرائيل عام 1967 مما يشير إلى كون انتقال التكنولوجيا في هذا المجال كنتاج للاحتلال، إذ أظهرت دراسة مسحية لأسر المزارعين بأن 80% منهم بيّنوا انتقالهم من الري بالغمر إلى الري بالتنقيط منذ 5-35 عاماً. وقد شهد مزارعو الضفة الغربية لطريقة الري بالتنقيط بأنها من أكثر آليات التكيف فعالية بالرغم من أن تقليص المياه كماً ونوعاً يعني في بعض الأحيان فشل هذه الطريقة أيضاً في تلبية الاحتياجات الزراعية، الأمر الذي يرغمهم على تقليص حجم الحقول المزروعة. أما في الجنوب اللبناني، لقي تغيير طريقة الري أهمية أقل بالنسبة للمزراعين هناك (10% منهم فقط أفادوا بأنها من إحدى آليات التكيف) على الرغم من أن أضرار الاحتلال وما بعده بالأصول الزراعية تخفض بشكل كبير من الرغبة في تغيير طريقة الري.
ومن إحدى ممارسات التكيف الأخرى المتبعة في غور الأردن وجنوب لبنان هي الهجرة المؤقتة أو الدائمة إلا أنه من الصعب قياسها. ففي غور الاردن، مثلاً، انتقل المزارعون من منطقتي الجفتلك والعوجة إلى مناطق فلسطينية تعاني درجات أقل من الإجهاد المائي بغية الاستمرار في الزراعة والانتقال أيضاً إلى العمل المأجور داخل المستوطنات الإسرائيلية. وبإخضاع المزراعين الفلسطينيين للعمل المأجور، تتعمق الجدوى الاقتصادية للاحتلال وشرعيته. أما بالنسبة للمجموعة البؤرية في جنوب لبنان، اعتبرت الهجرة القسرية للمزارعين من أبرز آليات التكيف، إلا أنه لا توجد احصائيات دقيقة تصف هذه التحركات السكانية حيث أصبحت التقديرات الموجودة في المناطق الريفية غير دقيقة/ مؤكدة نظراً للنزوح الحالي الملحوظ لللاجئين من سوريا.
لقد ميزت كل من منهجيتي الدراسة الاستبيانية والمجموعات البؤرية المتبعتين في هذا المشروع البحثي ما بين إجراءات التكيف قصيرة الأمد والطويلة الأمد في سياق التفاوت في توفر المياه نظراً لظروف الاحتلال وما بعده. هل تعد استراتيجيات وممارسات سبل عيش المزراعين كافية لمواجهة حالات جديدة من الإجهاد المناخي في المستقبل؟
في مجالات الدراسة الثلاثة على وجه العموم، وجد بأن جمعيات المزراعين المستقلة هي أكثر الجهات فعالية لتحسين قدرة المزارعين على التكيف مع الإجهاد المائي المستمر (مثلاً، نظام "الشراكة" في الضفة الغربية والثلاجات المملوكة جماعياً في مرتفعات الجولان لتخزين التفاح). ولا تعد هذه النتيجة مفاجئة على الإطلاق نظراً لغياب المؤسسات الحكومية الداعمة التي عادت ما تكون إما ضعيفة ( الحكومة اللبنانية والسلطة الفلسطينية) أو عدائية (دولة إسرائيل). فيصبح العمل الجماعي لحفظ الحقوق الزراعية المشتركة وجهاً من أوجه تقرير المصير ضمن منطقة متنازعة السيادة.
وكما أوصت المجموعات البؤرية الإقليمية، تختلف إجراءات التكيف المقترحة ضمن مجالات الدراسة الثلاثة وفقاً لظروف الحكم الخاصة بكل منطقة. وقد ركزت كل مجموعة بؤرية على أفضل طرق الدعم الحكومي للمزارعين بما يشمل الاهتمام بالجوانب التقنية والإقتصادية والتزويد بالأراضي (انظر الأقسام 7.3، 8.3، 9.3). ويُنظرإلى ممارسات التكيف الحالية عامةً على أنها نماذج للتكيف مع الإجهاد المناخي المستقبلي مشروطة بالدعم الحكومي لتعميمها. لكن لا تزال تشكل الممارسات العسكرية والأمنية الإسرائيلية في كافة المناطق العائق الأكبر أمام التعزيز المؤسساتي لقطاع الزراعة: فما زالت عملية صيانة وتطوير سبل العيش الزراعي معرقلة إلى حد كبير من قبل الممارسات الحاكمية الاستثنائية التي تميز ضد المجتمعات العربية/ الدرزية المتأثرة بشكل ممنهج. حتى ولو كان التهديد باستخدام السلاح نادراً، يعتبر تسنيد الأراضي والمصادر المائية في المناطق الثلاثة مقوضاً لأية عملية تنموية زراعية. ويظهر ذلك جلياً في مرتفعات الجولان المحتلة وغور الاردن حيث تكثيف عمليات الضم والاستيلاء، وبشكل مماثل يبقى خطر العنف المحدق بالمزارعين اللبنانيين على الحدود الجنوبية الشرقية لحوض نهر الحصباني موهناً لسبل العيش الزراعية هناك.
وفي ظل ظروف الاحتلال وما بعده، تبرز سبل العيش الزراعية في مجالات الدراسة الثلاثة على أنها شكل من أشكال مقاومة السلطة والسيطرة الإسرائيلية الأمر الذي يشير إلى كون الهوية الاجتماعية المشتركة مصدراً "لصمود"وثبات سبل العيش. وتتسم فلاحة الأرض بالذاتية السياسية ك"البقاء في الأرض" إما احتفالاً بالفلاح البسيط في مرتفعات الجولان المحتلة أو "جهاداً" في غور الأردن. وفي دراسة حالتي الضفة الغربية والجولان، برز مفهوم مرجعي شائع خلال الاستبيان الميداني وضمن المجموعات البؤرية تمثل بكلمة "صمود" والتي تم تطويرها بداية في السياق السياسي الفلسطيني كاستجابة سلمية للممارسات الاحتلالية الإسرائيلية. فأصبح التمسك المعنوي بالأرض أساساً لخيارات سبل العيش التي قد تراها أطراف ثالثة على أنها غير "منطقية" اقتصادياً، إلا أنها من وجهة نظر المشارك/ المتأثر ضرورية للمقاومة السياسية في وجه لاعب سيادي يعيه (أي المشارك) بأنه عدائي.
لقراءة المقال الكامل باللغة الإنكليزية، إضغط على الرابط التالي http://www.athimar.org/Article-46